شبهة السمع والطاعة للحاكم

 

قال النووي:
أجمع العلماء على وجوبها في غير معصية ، وعلى تحريمها في المعصية . نقل الإجماع على هذا القاضي عياض وآخرون . شرح النووي على مسلم باب الامارة ص536

قال النووي:
قوله صلى الله عليه وسلم : عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك قال العلماء : معناه تجب طاعة ولاة الأمور فيما يشق وتكرهه النفوس وغيره ، مما ليس بمعصية ، فإن كانت لمعصية فلا سمع ولا طاعة ، كما صرح به في الأحاديث الباقية ، فتحمل هذه الأحاديث المطلقة لوجوب طاعة ولاة الأمور على موافقة تلك الأحاديث المصرحة بأنه لا سمع ولا طاعة في المعصية . شرح النووي على مسلم باب الامارة ص538

قال النووي:
الصبر على ظلمهم ، وأنه لا تسقط طاعتهم بظلمهم . والله أعلم . شرح النووي على مسلم باب الامارة ص546

قال النووي:
قوله صلى الله عليه وسلم : ( دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها ) قال العلماء : هؤلاء من كان من الأمراء يدعو إلى بدعة أو ضلال آخر كالخوارج والقرامطة وأصحاب المحنة . وفي حديث حذيفة هذا لزوم جماعة المسلمين وإمامهم ، ووجوب طاعته ، وإن فسق وعمل المعاصي من أخذ الأموال وغير ذلك فتجب طاعته في غير معصية . شرح النووي على مسلم باب الامارة ص547

قال النووي: “أجمع العلماء على وجوبها ـ أي طاعة الأمراء ـ في غير معصية، وعلى تحريمها في المعصية. نقل الإجماع على هذا القاضي عياض” إلى أن قال: “ولا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم، ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم وقولوا بالحق حيث ما كنتم، وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين، وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته، وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق” .شرح مسلم 12/222، 223، 229.

قال النووي:
تَجِبُ طَاعَةُ الْإِمَامِ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ مَا لَمْ يُخَالِفْ حُكْمَ الشَّرْعِ، سَوَاءٌ كَانَ عَادِلًا أَوْ جَائِرًا. روضة الطالبين وعمدة المفتين ج 10 ص47

قال محمد السفاريني الحنبلي:
إذا عقدت له الإمامة فصار إماما للمسلمين فـكن مطيعا أنت وسائر رعيته أمره فيما أي في الشيء الذي أمر به إن كان طاعة ، والحاصل أن طاعته تجب في الطاعة وتسن في المسنون وتكره في المكروه ، فإذا أمر بمعروف وجب امتثال أمره ما لم يكن أمره بـ شيء منكر ضد المعروف ، فـلا يطاع في ذلك بل يحتذر ويجتنب فلا تجب طاعته في المعصية ، بل تحرم إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية ص 425

قال ابن تيمية:
( قال العلماء ) نزلت الآية الأولى في ولاة الأمور ، عليهم أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها ، وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل ، ونزلت الثانية في الرعية من الجيوش وغيرهم ، عليهم أن يطيعوا أولي الأمر الفاعلين لذلك في قسمهم وحكمهم ومغازيهم وغير ذلك ، إلا أن يأمروا بمعصية الله ، فإن أمروا بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، فإن تنازعوا في شيء ردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . وإن لم تفعل ولاة الأمر ذلك ، أطيعوا فيما يأمرون به من طاعة الله ، لأن ذلك من طاعة الله ورسوله ، وأديت حقوقهم إليهم كما أمر الله ورسوله {وتعاونوا على البر والتقوى ، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } وإذا كانت الآية قد أوجبت أداء الأمانات إلى أهلها ، والحكم بالعدل . فهذان جماع السياسة العادلة ، والولاية . السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية ص 13

السفاريني الحنبلي:[وجوب طاعته بشرطه]وَكُنْ مُطِيعًا أَمْرَهُ فِيمَا أَمَرْ … مَا لَمْ يَكُنْ بِمُنْكَرٍ فَيُحْتَذَرْ وَإِذَا عُقِدَتْ لَهُ الْإِمَامَةُ فَصَارَ إِمَامًا لِلْمُسْلِمِينَ فَـكُنْ مُطِيعًا أَنْتَ وَسَائِرُ رَعِيَّتِهِ أَمْرَهَ فِيمَا أَيْ فِي الشَّيْءِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ إِنْ كَانَ طَاعَةً، وَالْحَاصِلُ أَنَّ طَاعَتَهُ تَجِبُ فِي الطَّاعَةِ وَتُسَنُّ فِي الْمَسْنُونِ وَتُكْرَهُ فِي الْمَكْرُوهِ، فَإِذَا أَمَرَ بِمَعْرُوفٍ وَجَبَ امْتِثَالُ أَمْرِهِ مَا لَمْ يَكُنْ أَمْرُهُ بِـشَيْءٍ مُنْكَرٍ ضِدِّ الْمَعْرُوفِ، فَـلَا يُطَاعُ فِي ذَلِكَ بَلْ يُحْتَذَرُ وَيُجْتَنَبُ فَلَا تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي الْمَعْصِيَةِ، بَلْ تَحْرُمُ إِذْ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ.لوامع الأنوار البهية ج2 ص425

قال القاضي أبو بكر محمد:
أمّا مبايعةُ الإمام وطاعته إذا لم يكن أهلاً لذلك، وهل يُنَازَعُ، أو يخرج عليه أم لا؟ فمنهم من قال: يخرج عليه؛ لأنّ الّذي لزمت فيه العهدة وانعقدت عليه البيعة ألاّ ينازع الأمر أهله، فأمّا أن يترك بِيَدِ من ليس هو بأهلٍ لها، يظلمُ ويجورُ ويَعبثُ، فلا. وبهذا خرج الحسين بن عليّ رضي الله، عنه، وعبد الله بن الزُّبَيْر على يزيد، وخرج القُرَّاءُ على الحجَّاج.ورأى بعضهم الصّبر عليه والسّكون تحت قضاء الله، حتّى يحكمَ اللَّهُ بالحقّ. وبهذا أخذ عبد الله بن عمر في ولاية يزيد، وقال: إن كان خيرًا رضينا، وإن كان جائرًا صبرنا.وقَال القُرَّاءُ للحسن بن أبي الحسن البصري حين خرجوا على الحجّاج: كن معنا:فقال لهم الحسن: الحجّاجُ عقوبةُ اللَّهِ في أرضه، وعقوبةُ اللهِ لا تُقابَلُ بالسّيف، إنّما تُقابَلُ بالصّبر على الظُّلم والجور، وهو خيرٌ من سَفْكِ الدِّماء ونهب الأموال، فيما لا يتحصل فيه الآن من هذين المعنيين حسن العاقبة والعافية. فاقتضى من قوله الصّبر على جورهم، كقوله للأنصار: “سَتَرَوْنَ بعدي أَثَرَةً، فاصبرُوا حتى تَلْقَوْنِي”  فلمّا خالفوا ذلك أوّل مرّة ابتلوا بيوم الحَرَّة.المسالك في مطأ الامام مالك ج 7 ص 567

قال ابن أبي زمنين: “فالسمع والطاعة لولاة الأمر واجب مهما قصَّروا في ذاتهم، فلم يبلغوا الواجب عليهم، غير أنهم يدعون إلى الحق ويأمرون به ويذبون عنه، فعليهم ما حملوا، وعلى رعاياهم ما حملوا من السمع والطاعة لهم”أصول السنة ص980.

قال المهلب: قوله (صلى الله عليه وسلم) : (اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشى) لا يوجب أن يكون المستعمل للعبد إلا إمام قرشى، لما تقدم أنه لا تجوز الإمامة إلا فى قريش، وإنما أجمعت الأمة على أنه لا يجوز أن تكون الإمامة فى العبيد. وقوله: (من رأى شيئًا يكرهه فليصبر) يعنى: من الظلم والجور. فأما من رأى شيئًا من معارضة الله ببدعة أو قلب شريعة، فليخرج من تلك الأرض ويهاجر منها، وإن أمكنه إمام عدل واتفق عليه جمهور الناس فلا بأس بخلع الأول، فإن لم يكن معه إلا قطعة من الناس أو ما يوجب الفرقة فلا يحل له الخروج. شرح صحيح البخاري لابن بطال ج 8 ص215

قال أبو بكر بن الطيب: أجمعت الأمة أنه يوجب خلع الإمام وسقوط فرض طاعته كفره بعد الإيمان، وتركه إقامة الصلاة والدعاء إليها، واختلفوا إذا كان فاسقًا ظالمًا غاصبًا للأموال؛ يضرب الأبشار ويتناول النفوس المحرمة ويضيع الحدود ويعطل الحقوق فقال كثير من الناس: يجب خلعه لذلك. وقال الجمهور من الأمة وأهل الحديث: لا يخلع بهذه الأمور، ولا يجب الخروج عليه؛ بل يجب وعظه وتخويفه وترك طاعته فيما يدعو إليه من معاصى الله، واحتجوا بقوله (صلى الله عليه وسلم) : (اسمعوا، وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشى) وأمره بالصلاة وراء كل بر وفاجر، وروى أنه قال: أطعهم وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك ما أقاموا الصلاة) . قال القاضى أبو بكر: ومما يوجب خلع الإمام تطابق الجنون عليه وذهاب تمييزه حتى ييئس من صحته، وكذلك إن صم أو خرس وكبر وهرم، أو عرض له أمر يقطعه من مصالح الأمة؛ لأنه إنما نصب لذلك؛ فإذا عطل ذلك وجب خلعه، وكذلك إن جعل مأسورًا فى أيدى العدو إلى مدة يخاف معها الضرر الداخل على الأمة وييئس من خلاصه وجب الاستبدال به. فإن فك أسره وثاب عقله أو برئ من زمانته ومرضه لم يعد إلى أمره وكان رعية للأول؛ لأنه عقد له عند خلعه وخروجه من الحق فلا حق له فيه، ولا يوجب خلعه حدوث فضل فى غيره كما يقول أصحابنا: إن حدوث الفسق فى الإمام بعد العقد لا يوجب خلعه، ولو حدث عند ابتداء العقد لبطل العقد له ووجب العدول عنه. شرح صحيح البخاري لابن بطال ج 8 ص215-216

ابن مسعود، قَالَ النَّبِىّ (صلى الله عليه وسلم) : (إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِى أَثَرَةً، وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا) ، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ، وَسَلُوا اللَّهَ حَقَّكُمْ) . / 5 – وفيه: ابْن عَبَّاس، قَالَ النَّبِىّ (صلى الله عليه وسلم) : (مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا، فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً) . / 6 – وفيه: عُبَادَة، بَايَعَنَا النَّبِىّ (صلى الله عليه وسلم) عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِى مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةً عَلَيْنَا، وَأَنْ لا نُنَازِعَ الأمْرَ أَهْلَهُ، إِلا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ. / 7 – وفيه: أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ، أَنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِىَّ (صلى الله عليه وسلم) فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَعْمَلْتَ فُلانًا، وَلَمْ تَسْتَعْمِلْنِى، قَالَ: (إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِى أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِى) . قال المؤلف: فى هذه الأحاديث حجة فى ترك الخروج على أئمة الجور، ولزوم السمع والطاعة لهم والفقهاء مجمعون على أن الإمام المتغلّب طاعته لازمة، ما أقام الجمعات والجهاد، وأن طاعته خير من الخروج عليه؛ لما فى ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء، ألا ترى قوله (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه: (سترون بعدى أثرةً وأمورًا تنكروها) فوصف أنهم سيكون عليهم أمراء يأخذون منهم الحقوق ويستأثرون بها، ويؤثرون بها من لا تجب له الأثرة، ولا يعدلون فيها، وأمرهم بالصبر عليهم والتزام طاعتهم على ما فيهم من الجور، وذكر على بن معبد، عن على بن أبى طالب أنه قال: لابد من إمامة برة أو فاجرة. قيل له: البرة لابد منها،فما بال الفاجرة؟ قال: تقام بها الحدود، وتأمن بها السبل، ويقسم بها الفئ، ويجاهد بها العدو. ألا ترى قوله (صلى الله عليه وسلم) فى حديث ابن عباس: (من خرج من السلطان شبرًا مات ميتةً جاهليةً) . وفى حديث عبادة: (بايعنا رسول الله على السمع والطاعة) إلى قوله: (وألا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرًا بواحًا) فدل هذا كله على ترك الخروج على الأئمة، وألا يشق عصا المسلمين، وألا يتسبب إلى سفك الدماء وهتك الحريم، إلا أن يكفر الإمام ويظهر خلاف دعوة الإسلام، فلا طاعة لمخلوق عليه.شرح صحيح البخاري لابن بطال ج 10 ص7-9

وَأَمَّا السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِوُلَاةِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، فَفِيهَا سَعَادَةُ الدُّنْيَا، وَبِهَا تَنْتَظِمُ مَصَالِحُ الْعِبَادِ فِي مَعَايِشِهِمْ، وَبِهَا يَسْتَعِينُونَ عَلَى إِظْهَارِ دِينِهِمْ وَطَاعَةِ رَبِّهِمْ، كَمَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ النَّاسَ لَا يُصْلِحُهُمْ إِلَّا إِمَامٌ بَرٌّ أَوْ فَاجِرٌ، إِنْ كَانَ فَاجِرًا عَبَدَ الْمُؤْمِنُ فِيهِ رَبَّهُ، وَحُمِلَ الْفَاجِرُ فِيهَا إِلَى أَجَلِهِ.قَالَ الْحَسَنُ فِي الْأُمَرَاءِ: هُمْ يَلُونَ مِنْ أُمُورِنَا خَمْسًا: الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ وَالْعِيدَ وَالثُّغُورَ وَالْحُدُودَ، وَاللَّهِ مَا يَسْتَقِيمُ الدِّينُ إِلَّا بِهِمْ، وَإِنْ جَارُوا وَظَلَمُوا، وَاللَّهِ لَمَا يُصْلِحُ اللَّهُ بِهِمْ أَكْثَرُ مِمَّا يُفْسِدُونَ، مَعَ أَنَّ – وَاللَّهِ – إِنَّ طَاعَتَهُمْ لَغَيْظٌ، وَإِنَّ فُرْقَتَهُمْ لَكُفْرٌ. ابن رجب الحنبلي جامع العلوم والحكم، 2/ 117.

– إنها ستكونُ بعدِي أثرةً وأمورٌ تُنكرونها . قالوا : يا رسولَ اللهِ ! كيف تأمر من أدركَ منّا ذلك ؟ قال : تُؤدّونَ الحقَّ الذي عليكُم . وتسألونَ اللهَ الذي لكُم
الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 1843 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
وفيه الحث على السمع والطاعة ، وإن كان المتولي ظالما عسوفا ، فيعطى حقه من الطاعة ، ولا يخرج عليه ولا يخلع ; بل يتضرع إلى الله تعالى في كشف أذاه ، ودفع شره وإصلاحه ، وتقدم قريبا ذكر اللغات الثلاث في الأثرة ، وتفسيرها ، والمراد بها هنا : استئثار الأمراء بأموال بيت المال . والله أعلم .شرح النووي على مسلم

طَوَاعِيَّتَهُمْ لِمَنْ يَتَوَلَّى عَلَيْهِمْ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى إيصالهم حُقُوقِهِمْ بَلْ عَلَيْهِمُ الطَّاعَةُ وَلَوْ مَنَعَهُمْ حَقَّهُمْ قَوْلُهُ وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ أَيِ الْمُلْكُ وَالْإِمَارَةُ زَادَ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ عُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ جُنَادَةَ وَإِنْ رَأَيْتَ أَنَّ لَكَ أَيْ وَإِنِ اعْتَقَدْتَ أَنَّ لَكَ فِي الْأَمْرِ حَقًّا فَلَا تَعْمَلْ بِذَلِكَ الظَّنِّ بَلِ اسْمَعْ وَأَطِعْ إِلَى أَنْ يَصِلَ إِلَيْكَ بِغَيْرِ خُرُوجٍ عَنِ الطَّاعَةِ زَادَ فِي رِوَايَةِ حِبَّانَ أبي النَّضر عَن جُنَادَة عِنْد بن حِبَّانَ وَأَحْمَدَ وَإِنْ أَكَلُوا مَالَكَ وَضَرَبُوا ظَهْرَكَ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ أَبِيهِ وَأَنْ نَقُومَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ. فتح الباري لابن حجر

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ((وقد استفاض وتقرر في غير هذا الموضع ما قد أمر به – صلى الله عليه وسلم -، من طاعة الأمراء في غير معصية الله، ومناصحتهم، والصبر عليهم في حكمهم، وقسمهم، والغزو معهم، والصلاة خلفهم، ونحو ذلك من متابعتهم في الحسنات التي لا يقوم بها إلاَّ هُم؛ فإنه من باب التعاون على البر والتقوى، وما نهى عنه من تصديقهم بكذبهم، وإعانتهم على ظلمهم، وطاعتهم في معصية الله ونحو ذلك، مما هو من باب التعاون على الإثم والعدوان)) فتاوى شيخ الإسلام، 35/ 20 – 21.

يقول العلامة ابن أبي العز – رحمه الله -: ” دل الكتاب والسنة على وجوب طاعة أولي الأمر، ما لم يأمروا بمعصية، فتأمل قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} النساء: 59، كيف قال: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}، ولم يقل: وأطيعوا أولي الأمر منكم؟ لأن أولي الأمر لا يفردون بالطاعة، بل يطاعون فيما هو طاعة لله ورسوله، وأعاد الفعل مع الرسول؛ لأنه من يطع الرسول فقد أطاع الله، فإن الرسول لا يأمر بغير طاعة الله، بل هو معصوم في ذلك، وأما ولي الأمر، فقد يأمر بغير طاعة الله، فلا يطاع إلا فيما هو طاعة لله ورسوله.وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا، فلأنه يترتب على الخروج عن طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات ومضاعفة الأجور، فإن الله تعالى ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل، فعلينا الاجتهاد في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل”. شرح الطحاوية (2/ 542 – 543)، وينظر: مجموع الفتاوى (35/ 5 – 17)، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 180 – 181).

يقول ابن تيمية متحدثاً عن مذهب أهل السنة والجماعة: ” إنهم لا يوجبون طاعة الإمام في كل ما يأمر به، بل لا يوجبون طاعته إلا فيما تسوغ طاعته فيه في الشريعة، فلا يجوزون طاعته في معصية الله وإن كان إماماً عادلاً، فإذا أمرهم بطاعة الله فأطاعوه، مثل أن يأمرهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والصدق والعدل والحج والجهاد في سبيل الله، فهم في الحقيقة إنما أطاعوا الله … فأهل السنة لا يطيعون ولاة الأمور مطلقاً، إنما يطيعونهم في ضمن طاعة الرسول – صلى الله عليه وسلم – ” منهاج السنة (3/ 387)

أما أمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالصبرِ على أَخذ المَال وَضرب الظّهْر فَإِنَّمَا ذَلِك بِلَا شكّ إِذا تولى الإِمَام ذَلِك بِحَق وَهَذَا مَا لَا شكّ فِيهِ أَنه فرض علينا الصَّبْر لَهُ وَإِن امْتنع من ذَلِك بل من ضرب رقبته إِن وَجب عَلَيْهِ فَهُوَ فَاسق عَاص لله تَعَالَى وَإِمَّا إِن كَانَ ذَلِك بباطل فمعاذ الله أَن يَأْمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالصبرِ على ذَلِك برهَان هَذَا قَول الله عز وَجل {وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى وَلَا تعاونوا على الْإِثْم والعدوان} الفصل في الملل والنحل لابن حزم ص 133

هذه الطاعة مقيدة بطاعة الله عز وجل، فمن أمر منهم بالمعصية فإنه لا يطاع، لكن لا يجوز الخروج عليه، ولهذا جاء في الحديث: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، فمن أمر بالمعصية لا يطاع، لكن ليس معنى هذا أنه يخرج على ولاة الأمر، فلو أمرك ولي الأمر أن تشرب الخمر فلا تطعه، لكن لا تخرج عليه، ولو أمرك بأن تقتل إنساناً بغير حق فلا تطعه، كالأب إذا أمر ابنه بمعصية فإنه لا يطيعه، والزوجة إذا أمرها زوجها بمعصية لا تطعه.دروس في العقيدة للراجحي ص 19

اسمعُوا وأطيعُوا ، وإن اسْتُعمِلَ حبشيٌّ ، كأنَّ رأسَهُ زَبيبَةٌ .
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 693 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
أمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بِطاعةِ وُلاةِ الأمورِ؛ لِمَا في الخروجِ عليهم مِنَ المفاسدِ الكَبيرة، وحذَّرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن شَقِّ عَصا الطَّاعةِ ومُفارقةِ الجماعةِ، وفي هذا الحديثِ أمَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بِطاعَةِ وَلِيِّ الأمرِ، فقال: «اسْمَعوا وأَطيعوا وإنِ اسْتُعمِلَ عبدٌ حَبشِيٌّ كأنَّ رَأسَهُ زَبيبةٌ»، يعني: وإنْ وَلِيَ عليكم رجُلٌ مِنَ الحبَشةِ كأنَّ رأْسَه مِثلُ الزَّبيبةِ، يَقصِدُ مِن حيثُ سوادُها وتجعُّدُها؛ إشارةً إلى تجعُّدِ الشَّعرِ، والمعنى: أنَّ المؤمنَ يجبُ عليه طاعةُ وَليِّ أمرِه ومَن ولَّاُه عليه وليُّ أمْرِه أيًّا كان جِنسُه أو لونُه؛ ما دامَ يَقودُ الناسَ بكِتابِ اللهِ تعالى-كما في رِوايةٍ أخرى- يعني: ما دامَ مُتَمَسِّكًا بالإسلامِ والدُّعَاءِ إلى كِتابِ اللَّهِ تعالى على أيِّ حَالٍ في نْفُسِه ودِينِه وأَخلاقِه، ولم يأمُرْ بمَعصيةٍ اللهِ.ونقل ابن بطال عن المهلب قال : قوله ” اسمعوا وأطيعوا ” لا يوجب أن يكون المستعمل للعبد إلا إمام قرشي ، لما تقدم أن الإمامة لا تكون إلا في قريش ، وأجمعت الأمة على أنها لا تكون في العبيد . قلت : ويحتمل أن يسمى عبدا باعتبار ما كان قبل العتق ، وهذا كله إنما هو فيما يكون بطريق الاختيار ، وأما لو تغلب عبد حقيقة بطريق الشوكة فإن طاعته تجب إخمادا للفتنة ما لم يأمر بمعصية كما تقدم تقريره ، وقيل المراد أن الإمام الأعظم إذا استعمل العبد الحبشي على إمارة بلد مثلا وجبت طاعته ، وليس فيه أن العبد الحبشي يكون هو الإمام الأعظم . وقال الخطابي : قد يضرب المثل بما لا يقع في الوجود ، يعني وهذا من ذاك أطلق العبد الحبشي مبالغة في الأمر بالطاعة وإن كان لا يتصور شرعا أن يلي ذلك .فتح الباري شرح صحيح البخاري كتاب الأحكام باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية

وأما لزوم طاعتهم وإن جارُوا؛ فلأنّه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات ومضاعفة الأجور؛ فإنّ الله تعالى ما سلّطهم علينا إلا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل؛ فعلينا الاجتهادُ في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل.قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} .وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُون} .فإذا أراد الرعيّةُ أن يتخلصوا من ظلم الأمير الظالم؛ فليتركوا الظلم)) اهـ. شرح العقيدة الواسطية للهراس ص285

عن ابْنُ عُمَرَ، قَالَ النَّبِىِّ (صلى الله عليه وسلم) : (السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلا سَمْعَ وَلا طَاعَةَ) . / عن عَلِىٍّ: أَنَّ النَّبِىُّ (صلى الله عليه وسلم) بَعَثَ سَرِيَّةً، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلا مِنَ الأنْصَارِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَ النَّبِىُّ (صلى الله عليه وسلم) أَنْ تُطِيعُونِى؟ قَالُوا: بَلَى قَالَ: قَدْ عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لَمَا جَمَعْتُمْ حَطَبًا، وَأَوْقَدْتُمْ نَارًا، ثُمَّ دَخَلْتُمْ فِيهَا، فَجَمَعُوا حَطَبًا، فَأَوْقَدُوا نَارًا، فَلَمَّا هَمُّوا بِالدُّخُولِ، فَقَامَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا تَبِعْنَا النَّبِىَّ (صلى الله عليه وسلم) فِرَارًا مِنَ النَّارِ، أَفَنَدْخُلُهَا؟ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ؛ إِذْ خَمَدَتِ النَّارُ وَسَكَنَ غَضَبُهُ، فَذُكِرَ لِلنَّبِىِّ (صلى الله عليه وسلم) فَقَالَ: (لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَدًا إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِى الْمَعْرُوفِ) .
قال محمد بن جرير: فى حديث على وحديث ابن عمر البيان الواضح عن نهى الله على لسان رسوله عباده عن طاعة مخلوق فى معصية خالقه، سلطانًا كان الآمر بذلك، أو سوقة، أو والدًا، أو كائنًا من كان. فغير جائز لأحد أن يطيع أحدًا من الناس فى أمر قد صح عنده نهى الله عنه. فإن ظن ظان أن فى قوله (صلى الله عليه وسلم) فى حديث أنس: (اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشى) وفى قوله فى حديث ابن عباس: (من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر) حجة لمن أقدم على معصية الله بأمر سلطان أو غيره، وقال: قد وردت الأخبار بالسمع والطاعة لولاة الأمر فقد ظن خطئًا، وذلك أن أخبار رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لا يجوز أن تتضاد، ونهيه وأمره لا يجوز أن يتناقض أو يتعارض، وإنما الأخبار الواردة بالسمع والطاعة لهم ما لم يكن خلافًا لأمر الله وأمر رسوله، فإذا كان خلافًا لذلك فغير جائز لأحد أن يطيع أحدًا فى معصية الله ومعصية رسوله، وبنحو ذلك قال عامة السلف. شرح صحيح البخاري لابن بطال ج 8 ص214

عليكَ السّمْعُ والطّاعَة في عُسْركَ ويُسْركَ . ومَنْشَطكَ ومَكْرَهكَ . وأثرة عليكَ
الراوي : أبو هريرة | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 1836 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | شرح الحديث
قوله صلى الله عليه وسلم : عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك قال العلماء : معناه تجب طاعة ولاة الأمور فيما يشق وتكرهه النفوس وغيره ، مما ليس بمعصية ، فإن كانت لمعصية فلا سمع ولا طاعة ، كما صرح به في الأحاديث الباقية ، فتحمل هذه الأحاديث المطلقة لوجوب طاعة ولاة الأمور على موافقة تلك الأحاديث المصرحة بأنه لا سمع ولا طاعة في المعصية .و( الأثرة ) : بفتح الهمزة والثاء ، ويقال : بضم الهمزة وإسكان الثاء ، وبكسر الهمزة وإسكان الثاء ثلاث لغات حكاهن في المشارق وغيره ، وهي الاستئثار والاختصاص بأمور الدنيا عليكم ، أي : اسمعوا وأطيعوا وإن اختص الأمراء بالدنيا ، ولم يوصلوكم حقكم مما عندهم .وهذه الأحاديث في الحث على السمع والطاعة في جميع الأحوال ، وسببها اجتماع كلمة المسلمين ، فإن الخلاف سبب لفساد أحوالهم في دينهم ودنياهم .شرح النووي على مسلم كتاب الامارة باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية

– إنَّ خليلي أوصاني أن أسمعَ وأطيعَ . وإن كان عبدًا مُجدَّعَ الأطرافِ . وفي روايةٍ : عبدًا حبَشيًّا مُجدَّعَ الأطرافِ .
الراوي : أبو ذر الغفاري | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 1837 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
قوله : ( إن خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبدا مجدع الأطراف ) يعني : مقطوعها ، والمراد : أخس العبيد ، أي : أسمع وأطيع للأمير وإن كان دنيء النسب ، حتى لو كان عبدا أسود مقطوع الأطراف فطاعته واجبة ، وتتصور إمارة العبد إذا ولاه بعض الأئمة ، أو إذا تغلب على البلاد بشوكته وأتباعه ، ولا يجوز ابتداء عقد الولاية له مع الاختيار ، بل شرطها الحرية .شرح النووي على مسلم كتاب الامارة باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية